
بقلم الأستاذ السيد فهمي المحامي بالنقض
elsayedfahmy@aiolegalservices.com
هل الحوالات البنكية تعتبر دليلاً على المديونية؟
في زمن تم فيه الاعتماد على الوسائل الإلكترونية والمصرفية في تنفيذ المعاملات المالية لسرعة التعامل وتحويل الاموال مثل انيستا بى وشركات تحويل الأموال، بات التساؤل حول مدى حجية الحوالات البنكية كدليل على المديونية من القضايا الهامة التي تشغل بال المتعاملين والقانونيين على السواء، خاصة في ظل وجود خلاف فقهي وقضائي حول هذه المسألة وقد حسمت محكمة النقض المصرية هذا الجدل بمبدأ قضائي مستقر، يُعيد ترتيب قواعد الإثبات في ضوء الواقع العملي المتطور.
قررت محكمة النقض المصرية فى حكمها الرقيم (١١٦٣١ لسنة ٩١ ق بتاريخ ٢٠٢٤/١٢/١٩ د . المدنية )
” الحوالة البنكية تُعد دليلا على المديونية والحيثيات: يقع عبء إثبات عكس ذلك على المدعى عليه “
حيث كانت الحقيقة في معظم الأحكام التي خرجت الفترة الماضية تقر بأن التحويل المصرفي الثابت بكشف الحساب، لا يدُل بمجرده على وجود مديونية ولا يُثبتها، وأن (المدّعى) عليه عبء إثبات ما يدّعيه
و بصدور ذلك الحكم القضائي الهام غير من هذا المبدأ حيث أن الحوالة البنكية دليل ظاهري على المديونية ما لم يثبت المدعى عليه خلاف ذلك ورفض المحكمة سماع الشهود للتحقق من سبب التحويل يُعد قصورًا في التسبيب وإخلالًا بحق الدفاع.
فى يوم ٢٠٢١/٦/٢٤ طعن الطاعن بطريق النقض فى حكم محكمة استئناف طنطا مأمورية كفر الشيخ الصادر بتاريخ ٢٠٢١/٥/٥ فى الاستئناف رقم ١٤١٣ لسنة ٥٣ ق وذلك بصحيفة طلب فيها الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه
على سند من أنه قام بتحويل مبالغ مالية إلى المطعون ضدهم نظير توريد كميات من السيراميك، إلا أن التوريد لم يتم، ولم تُرد إليه تلك الأموال، وعلى إثر ذلك، أقام دعواه أمام المحكمة المختصة مطالبًا بإلزام المدعى عليهم برد المبالغ المحوّلة.
قدم المدعي (الطاعن) حوالات بنكية تثبت تحويله لتلك المبالغ، إلا أن محكمة أول درجة رفضت الدعوى بحالتها، وتأيّد حكمها من قبل محكمة الاستئناف، استنادًا إلى مبدأ مفاده أن (الحوالات البنكية لا تصلح سندًا للمديونية بذاتها).
محكمة النقض بدورها بنقض الحكم لكون رفض التحقيق يُعد إخلالًا بحق الدفاع فقامت وفى النهاية خرجت بمبدأ قضائيا قالت فيه إن الحوالة البنكية تُعتبر دليلًا مبدئيًا على المديونية، ويقع عبء إثبات عكس ذلك على المدعى عليه، كما أقرت بأن رفض المحكمة سماع الشهود للتحقق من سبب التحويل يُعد قصورًا في التسبيب وإخلالًا بحق الدفاع، وحيث من المقرر في قضاء هذه المحكمة – أنه إذا كان المدعي قد أثبت ظاهر حقه بأن قدم محررا يحاج به المدعى عليه ويدل على قبض المبلغ المدعى به دون أن يتضمن ما يفيد أن هذا القبض وقع وفاء لالتزام سابق، فإن مؤدى ذلك هو انشغال ذمة المدعى عليه بهذا المبلغ وانتقال عبء الإثبات إليه وأن تلزمه المحكمة بالرد متى عجز عن إثبات براءة ذمته، وأن ( المادة ١٣٦ ) من القانون المدني وإن أوجبت أن يكون للالتزام سبب مشروع إلا أنها لم تشترط ذكر هذا السبب، كما أن (المادة ١٣٧) تنص على أن كل التزام لم يذكر له سبب في العقد يفترض أن له سبباً مشروعاً ما لم يقم الدليل على غير ذلك، وبحسب المحكمة: ومن المقرر أيضا أنه إذا ادعى المنكر في الدعوى خلاف الظاهر فيها يقع عليه عِبْء إثبات ما يخالفه سواء كان مدعي أصلا في الدعوى أم مدعى عليه فيها، كما أنه من المقرر أيضا أن إثبات وجود الديون التجارية وانقضائها في علاقة المدين بالدائن الأصلي طليق من القيود التي وصفها الشارع لما عداها من الديون في المواد ٦٠ حتى ٦٣ من قانون الإثبات حتى لو انصرف الإثبات إلى ما يخالف ما هو ثابت بالكتابة، فيما عدا الحالات التي يوجب فيها القانون الإثبات بالكتابة في المواد التجارية وهو ما قالته الفقرة الثانية من المادة ٦٩ من القانون رقم ١٧ لسنة ١٩٩٩ بإصدار قانون التجارة (فيما عدا الحالات التي يوجب فيها القانون الإثبات بالكتابة في المواد التجارية يجوز في هذه المواد إثبات عكس ما اشتمل عليه دليل كتابي أو إثبات مايجاوز هذا الدليل بكافة الطرق) وأنه وإن كانت محكمة الموضوع غير ملزمة بإجابة الخصوم إلى ما يطلبونه من إحالة الدعوى للتحقيق إلا أنها ملزمة إذا رفضت هذا الطلب أن تبين في حكمها ما يسوغ رفضه.
ووفقاً للمحكمة: لما كان ذلك، وكان الطاعن قد طلب إلزام المطعون ضدهم بالمبالغ محل التداعي، وقدم سنداً لذلك الحوالات البنكية الدالة على تحويل تلك المبالغ إليهم، وإذ قضى الحكم برفض الدعوى معتبراً أن الحوالات البنكية بذاتها لا تصلح سنداً للمديونية، مع أنه بتقديمها يكون الطاعن قد أقام الدليل على انشغال ذمة المطعون ضدهم بالمبالغ المطالب بها، كما أنه وبعد تجريده تلك المحررات من حجيتها في إثبات المديونية، رفض الحكم دون مسوغ إجابة الطاعن إلى طلبه إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات تجارية العلاقة بينه والمطعون ضدهم باتفاقهم على توريد سيراميك من الشركة التي يعملون بها إلى أخرى يمتلكها الطاعن بالمملكة العربية السعودية، بيد أنهم لم يفوا بالتزامهم، ولم يردوا المبالغ المحولة إليهم نظير التوريد، بما يعيب الحكم بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والإخلال بحق الدفاع مما يوجب نقضه، على أن يكون مع النقض الإحالة.
يعتبر هذا الحكم نقلة نوعية في فهم وسائل الإثبات الحديثة أمام القضاء، ويبعث برسالة واضحة مفادها أن الحوالات البنكية لا تعد دليلًا شكليًا فقط، بل تملك قوة إثباتية معتبرة في المنازعات المدنية والتجارية، بما يعزز من حماية حقوق المتعاملين ويضبط ميزان العدالة.
Leave a Reply