كان أول ظهور لمهنة المحاماه في مصر عام 1884 تحت اسم «مهنة الوكلاء»، وقد تم حينها إصدار لائحة لتنظيم المرافعات أمام المحاكم، والشروط التي يجب أن يلتزم بها المحامون، وأجازت الحضور نيابة عن الخصوم بعد البدء بعمل جداول فيها، وكان الشرط الوحيد لدخول الوكيل هو حسن السمعة وفصاحة اللسان، ثم بعد ذلك وبعد إنشاء الخديوي إسماعيل «مدرسة الإدارة واللغات» والتي تطورت بعد ذلك لتصبح «مدرسة الحقوق» ثم كلية الحقوق على النمط الفرنسي، بدأوا يشترطوا في الوكالة أن يكون حاصلاً على ليسانس الحقوق.
وعلى مدار التاريخ كان نقباء المحامين من رموز الحياة السياسية والقانونية في مصر، وأولهم إبراهيم الهلباوي، الذي حصل على لقب شيخ المحامين.
إبراهيم الهلباوي هو من مواليد 30 ابريل 1858 في المحمودية بمحافظة البحيرة،و يعد إبراهيم الهلباوي من أبرز المحامين في القرن العشرين وأشهرهم وقد أنتُخب كأول نقيب للمحامين المصريين عام 1912. اشتهر الهلباوي بلقب جلاد دنشواي وذلك لأنه كان مدعيًا عامًا ضد فلاحي دنشواي في قضيتهم الشهيرة، وجدير بالذكر إنه قد إنخرط بعد ذلك في سلك العمل والكفاح الوطني ليكفر عن خطأه الذي صدر منه في قضية دنشواي.
نشأته: يقول الهلباوي في مذكراته: “وُلدت في الساعة الحادية عشرة من مساء اليوم الخامس عشر من رمضان سنة 1247 هجرية 30 أبريل سنة 1858م وكان جدي وأبي من أصل مغربي. وقد نشأت في بلدة العطف (المحمودية الآن) بمديرية البحيرة، ويظهر أن أبي ولد بتلك المدينة واحترف مهنة الملاحة في النيل فلما قل رزقها عمل بالزراعة وتجارة الحبوب، ولقد عاش أكثر عمره أميًا إلى أن تلقى القراءة والكتابة عن الشيخ عبدالحافظ البحيرى الذى صار معلمًا لزوجتى وابنتى.. دخلت كُتّاب المدينة ودرست على يد الشيخ الشامى وانتقلت إلى الأزهر ولبثت به سبع سنين.”
حادثة دنشواي:
يعد الهلباوي أشهر محامي القرن العشرين؛ بسبب قدرته على إقناع العدالة ببراءة موكله، لكنه ارتكب خطأ فادحًا دفع ثمنه طوال حياته بكراهية الناس له بعد دفاعه عن الجنود الإنجليز وإدانة الفلاحين المصريين في حادثة دنشواي قائلًا: “إن الاحتلال البريطاني لمصر حرر المواطن المصري وجعله يترقى ويعرف مبادئ حقوقه المدنية والسياسية وإن هؤلاء الضباط الإنجليز كانوا يصطادون الحمام في دنشواي ليس طمعًا في لحم أو دجاج ولو فعل الجيش الإنجليزي ذلك لكنت خجلًا من أن أقف أدافع عنهم”.
ووصف الهلباوي الفلاحين في ادعائه قائلًا: “هؤلاء السفلة وأدنياء النفوس من أهالي دنشواي قابلوا الأخلاق الكريمة للضباط الإنجليز بالعصى والنبابيت وأساءوا ظن المحتلين بالمصريين بعد أن مضى على الإنجليز 25 عامًا ونحن معهم بكل إخلاص واستقامة”. وليكفر الهلباوي عن خطأه بعد ذلك في حق الفلاحين، ترافع عن إبراهيم الورداني بتهمة قتل بطرس غالي أحد القضاة الذين حكموا على فلاحيّ دنشواي بالإعدام فقال في مرافعته: “جئت للدفاع عن قاتل القاضي الذي حكم على أهالي دنشواي بالإعدام، جئت مدافعًا أستغفر مواطنينا عما وقعت فيه من أخطاء شنيعة، اللهم أني أستغفرك وأستغفر مواطنينا.”
وبسبب قضية إبراهيم الورداني حاربته السرايا وانقلبت عليه الحكومه الا ان ذلك لم يثنيه وكأنه يكفر عن محاكمة دنشواي، بل واصبح خصوم الامس اصدقاؤه في الحاضر حيث صالحه حافظ ابراهيم واصبح ملازما له. وكان الهلباوي خطيبا مفوها وممثلا رائعا يمزج بين العربيه الفصحى والعامية البسيطه ويتحرك بخفه ورشاقه يجبر المحكمه على سماعه ويجعل من يسمعه ويراه مشدوها بعبقريته.
قال عنه عبد العزبز البشري في المرآه ( شيخ يتزاحف على السبعين ان لم يكن قد اقتحمها فعلا عاش مدى عمره يحبه ناس اشد الحب ويبغضه ناس اشد البغض الا ان هؤلاء وهؤلاء لا يسعهم جميعا الا التسليم بأنه رجل عبقري )
وقد حارب إبراهيم بك من اجل اصدار قانون لانشاء نقابة المحامين حتى ظفر به عام 1912 وانتخب كأول نقيب للمحامين باغلبيه 307 صوت من 333 صوت وعندها أعطاه المحامون لقب شيخ المحمين عرفانا بما قدمه لهم، وكان اكبر نصر حققته النقابه وقتها هو تقرير الحصانه للمحامي فاجتمع له الجلالان جلال الكرامه وجلال البيان.
كما أن البعض قد لا يعلمون أن ابراهيم بك الهلباوي هو أول من اسس حزب الاحرار الدستوري، كما أنه كان واحد من النقباء الثلاثه الذين وضعوا الدستور مع عبدالعزيز باشا فهمي ومحمود ابو النصر. ويذُكر عنه أيضاً أنه ترافع عن زملاؤه مكرم عبيد واحمد حلمي ضد الخديوي فكان لهم نعم العون ونعم الزمالة.
وفي أواخر حياته أوقف من ماله اربعون فدانا لنقابة المحامين.
من كلماته في احد مرافعاته ( خدمت نحو خمس وعشرون عاما في المحاماه ولم يخطر ببالي يوما سبب اختيار الرداء الاسود حله رسميه للمحامي الذي يتشرف بالدفاع بين يدي القضاه ، ولا سبب انتخاب اللون الاخضر للوشاح الذي يزدان به صدر من ولوا القضاء، اما الان وقد ابعدت عن قلبي هذه القضيه كل راحه وجعلتني مرآه لتلك القلوب المنفطره كأم المتهم وشقيقته وباقي اهله، قلت ان كان مختار هذه الالوان اراد باللون الاسود رمز الحداد والمصائب للمحامي الذي يمثل القائم بالدفاع عنه ، وباللون الاخضر الذي يتحلى به صدر القاضي ، الرمز الي الطاووس ذي الريش الاخضر وهو مثال ملائكة الرحمه فنعم الاختيار.
كأنما نحن في هذه القاعه امام اولئك القضاه المشبهين بملائكة الرحمه على سطح الارض ، نقوم بمأموريه اولئك الاحبار في هياكلهم الذين اتخذوا مثلنا ثياب الحداد وهم يتضرعون الي مبدع السموات والارض بأن يفيض على الارواح الذاهبه الي دار الخلود سحب رحمته وغفرانه فتقبلوا دعاءنا في طلب الرحمه للاحياء كما يقبلها من اقامكم حكما في عباده الذي علمنا انه وان كان من صفاته العدل فان من صفاته الرحمه ، وعلمنا فوق هذا ان الرحمه فوق العدل )
توفي رحمه الله عليه، شيخ المحامين ومحامي القضايا الوطنيه فارس الكلمه وعبقري القانون اول نقيب للمحامين ابراهيم بك الهلباوي، عن عمر يناهز الثانيه والثمانون وذلك عام 1940م
منتدى التكامل القانوني
Leave a Reply